وأد طفولة الفتيات.. مسؤولية من؟!
الجمعة, 10 أكتوبر 2008
سارة عبدالسميع- منار زهير
لماذا تسهم الأمهات في وأد طفولة فتياتهن؟!..
«منذ أن تلد الأم طفلتها وهي تحلم بأن تراها فتاة في عمر الزهور، تنال إعجاب الجميع واحترامهم، وبين الحين والآخر تتخيلها عروسًا جميلة في يد عريسها.. ربما يكون هذا الإحساس والشعور هو ما يدفعها إلى التصرف مع هذه الطفلة البريئة كعروس كبيرة، فمثلاً تضع لها ماكياجًا حتى لو كان على سبيل السخرية والمزاح، بل وتذهب بها إلى الكوافير وتهذب شعرها.. وأشياء كثيرة من هذا النوع تجعلها تفقد طفولتها الجميلة وتتطلع إلى محاكاة الكبار».. هكذا أكدت زينب خليل، موضحة أن لديها ولدًا واحدًا ولكنها تلمح ذلك على بنات صديقاتها.
ومن جانبها أشارت سميرة عبدالحميد إلى أن لديها ثلاث بنات في أعمار مختلفة، وهي سعيدة جداً بذلك، لأنها تعشق الفتيات، لذا فهي شديدة الاهتمام بهن وبمظهرهن منذ أن كنّ صغيرات، ولكنها لم تفعل يومًا وتضع لهن ماكياجًا أو تذهب بهن إلى مصفف الشعر، ولكنها كانت تعودهن على كيفية الاهتمام بأنفسهن داخل المنزل حتى لا تزيد تطلعاتهن.
وأكدت جيهان مرسي أن الطفلة منذ نعومة أظفارها تجدها تحاكي والدتها وتقلدها.. وتذكر أنها ذات مرة وجدت طفلتها ترتدي حذاءها وتحمل حقيبتها، وكانت مصرة على أن تخرج بهذا الشكل، إلا أنها حاولت إقناعها، وبعد أن فشلت جعلتها تحمل الحقيبة، ولكنها أجبرتها على خلع الحذاء، ومرة أخرى ارتدت أحد خواتمها الإكسسوار وتفاجأت بوجوده في يدها بعد الخروج من المنزل.
«أتمنى أن تكبر ابنتي سريعاً لكي أراها عروسًا جميلة، وهذا ما يجعلني أحياناً أتعجل في تحقيق هذا الحلم، فأختار لها ملابس تظهرها في مظهر أكبر من سنها لتلفت نظر من حولها» هكذا أكدت تحية جلال، موضحة أنها لا تبالغ في ذلك، بل تفعله بقدر معقول، وتبرر هذه الأفعال بأن أي أم دائماً تتعجل رؤية ابنتها في أزهى مرحلة بعمرها وهي الشباب وعمر الزهور.
وتستكمل وفاء عبدالرحمن الحديث قائلة: إن وأد مرحلة طفولة الفتيات تحديداً ينعكس عليهن بالسلب فيما بعد، فمن المفترض أن تمر كل فتاة بجميع مراحل حياتها، وتستمتع بكل مرحلة حتى لا تتعرض لمرحلة طفولة أو مراهقة متأخرة وهي في سن كبيرة.
وتضيف أن الأم يجب أن تكون بجوار ابنتها في كل محطة من محطات حياتها حتى تعينها على تخطيها بنجاح.
وتلتقط صفية ممدوح أطراف الحديث، موضحة أن الفتيات من سن 12 إلى سن 16 تقريباً تجدهم يسعون إلى تقليد أمهاتهن، فمثلاً تجد الفتاة ترتدي ملابس والدتها وتحاول تقليد حركاتها وتصرفاتها، وللأسف معظم الأمهات تفرح لذلك، وتعتقد أن بناتهن كبرن، ويبدأن في التعامل معهن على هذا الأساس، ولكن ذلك غير صحيح على الإطلاق، فهذه هي أخطر مرحلة تمر بها الفتاة، وهي نهاية مرحلة الطفولة وبداية مرحلة المراهقة، لذا فهي في حاجة شديدة إلى أم تقف بجوارها وتنصحها وتعرفها على جمال المرحلة التي تعيشها وكيفية الاستمتاع بها.
ومن ناحية أخرى يجب ألا تتعجل الأم انتقال ابنتها من مرحلة إلى أخرى، حتى تتكون لدى الفتاة شخصية سوية.
وترى نادية رمضان أن الفتاة من نفسها منذ صغرها تتعجل مرحلة الشباب، والدليل على ذلك أنك تجد الطفلة التي لم يتعد عمرها السنوات الخمس تقف أمام محل فساتين الأفراح وتصر على شراء فستان لها.. وتذكر نادية أنها ذات مرة تفاجأت بطفلتها تبكي بشدة لأنها رفضت وضع ماكياج لها في فرح إحدى أقاربهم، وتحت ضغط بكائها المستمر رضخت الأم لدموع الطفلة الصغيرة واضطرت إلى وضع ماكياج لها، ولكنها فكرت بعد ذلك في إحضار لعبة على شكل روج لتهدئ به طفلتها.
وتؤكد أن ما يدفع الأطفال إلى تقليد الكبار خاصة الفتيات منهم هو وجودهم بشكل مستمر مع أمهاتهم، الأمر الذي يجعلهم متأثرين بهن إلى حد كبير.
ماجدة سامي قامت بتربية ابنتها على الحفاظ على التقاليد والعادات التي يتميز بها مجتمعنا العربي الإسلامي، ورغم أنها في سن صغيرة وتواظب على الصلاة، إلا أنها تتأثر كثيراً بما ترتديه بعض الصغيرات في الأغاني، فتجدهن يرتدين التنورات القصيرة أو «البنطلونات» الضيقة، كل هذا يجعلها تفكر كثيراً لتسألني: «لِمَ لا أرتدي أنا أيضاً هذه الملابس؟.. ولِمَ تقيدينني في زي الطفلة الصغيرة؟!».
أم أخرى تواجه مشكلة مختلفة، ولكنها تتشابه معها في عقلية الطفلة نفسها وهي رغبتها في أن تكبر قبل الأوان.. والقصة تحكيها ألفت رأفت قائلة إن ابنتها البالغة من العمر 13 عاماً لها أخت أكبر منها «21 سنة»، وسن الصغيرة هو ما تجده الأم أخطر ما في الأمر، لأنها المرحلة الانتقالية ما بين الطفولة والمراهقة، وهي فترة حساسة للغاية خاصة بالنسبة للفتاة، لذا تكون في غاية الحذر في التعامل معها، ولكنها «الصغيرة» ومنذ فترة بدأت في الرد نداً بند على والدتها عندما اعترضت على خروجها مع أصدقائها مثلما تفعل أختها الكبيرة، وكذلك عند رغبتها في ارتداء ملابس مشابهة لها، ووضع القليل من الماكياج، ولأنها تخاف أن يكون رد فعلها تجاه تلك التصرفات، خاطئًا أو مؤذيًا، تجعل الصغيرة تقوم بما تريده في حدود، مع خوفها الدائم من أن يكون هذا التصرف مضرًا ويأتي بعواقب هي وحدها ستتحملها.
وتبرر دعاء مروان تصرف بعض الأمهات على هذا النحو بأنهن يردن أن ترى كل واحدة منهن ابنتها عروسًا كبيرة جميلة ويعجب بها الجميع، ودون قصد تفعل ذلك بشكل مبالغ فيه، وفي وقت مبكر عما يجب أن يكون.. مثلاً تجد الفتاة في الثامنة وتتركها أمها تجلس في مجالس الكبار وتسمع ما ليس من المفترض سماعه أو معرفته، مما يراكم في ذهنها ويكون لديها معتقدًا خاطئًا بأنه من حقها الحديث في بعض الموضوعات، مثل علاقة أبيها وأمها أو مشاكل بين الكبار، وأشياء من هذا القبيل.
وتتفق معها سوسن حسين.. مضيفة أن أصعب سن للفتاة هو من التاسعة إلى «12» أو «13»، وهي الفترة التي لا تعتبر فيها طفلة، وكذلك ليست شابه ناضجة، وذهنها تتغير تركيبته باستمرار، ويمتص بعض المواقف والمبادئ ويصد أخرى.
ومثل العديد من الأمهات هي تريد أن ترى ابنتها في أجمل صورة لتدخل مرحلة جديدة بعد الطفولة تكون فيها الفتاة التي تتعلم من أمها الكثير، وتكتسب خبرات بطريقة سريعة، فتتركها تحتك بالواقع الذي يمكن أن يغير فيها الكثير، ولكنها رغم ذلك تفرح عندما تجد ابنتها تتحدث كالكبار، أو ترتدي مثلهم، دون أن تجد أن ذلك ليس في صالحها طالما في حدود العادات والتقاليد.
وترجع ناهد أحمد ظاهرة تلاشي براءة الفتيات في سن معينة إلى الأصدقاء، موضحة أن الصديقات اللاتي تصاحبهن الصغيرة هن المشجعات على «الكبر قبل الميعاد» فجميعهن يتفقن على ارتداء ملابس مماثلة تشبه «المغنية الفلانية» ويتبعن بعضهن البعض في ذلك دون وعي، ولأن دائماً الأب يلقي بمسؤولية التربية دائماً على الأم، فهو قد لا يلتفت إلى مثل هذه الأمور، ومع قبول الأم لتلك الفكرة ومع الوقت والتكنولوجيا وانفتاح العالم ليصبح مدينة صغيرة لم تعد الصغيرة لا تعرف شيئاً، بل بالعكس، ربما تجدها تتحدث في موضوعات لم تخطر يوماً على بالك.
وفي هذا الصدد يتحدث د.عبدالمنعم شحاتة -أستاذ علم النفس وعميد كلية الآداب جامعة المنوفية- قائلاً: إنه يجب أن نفرق بين أمرين، الأول هو رغبة الطفلة نفسها في التغيير ومحاكاة الأم في سلوكياتها وتصرفاتها، فإذا كان ذلك نابعاً من داخلها «أي اختيارياً» فيعد مظهراً صحياً، لأنه ما دام هناك نضج جسمي وعقلي مستمر فبالتالي لابد أن يصحبه تغيير في السلوكيات، حيث تجد الفرد يقبل على أفعال وتصرفات لم يفعلها من قبل بإرادته، وهذا مقبول.. أما عن الأمر الثاني فهو حرمان الطفلة من التمتع بطفولتها رغماً عنها، وهنا تكمن المشكلة، وقد تتعرض الطفلة لذلك نتيجة ظروف خارجة عن إرداتها، وذلك يحدث عندما يتوفى العائل مثلاً فتتولى هي المسؤولية، وبالتالي تعيش سنًا أكبر من سنها، أو أن الآباء يسهمون في ذلك بأيديهم دون أن يشعروا.
ويضيف أن الدور الأكبر لتخطي هذه المرحلة يقع على الأم، فيجب أن تكون على قدر كبير من الوعي وتدرك أن تغيير ابنتها يأتي تدريجياً، فلا تتعجل نموها، وإنما تعطيها قدر حاجاتها وقابليتها للتغير.. فمثلاً إن وجدت طفلتها تريد أن تقلدها في مظهرها وملبسها تستجيب الأم لذلك، ولكن بشكل متوازن بين المطلوب من الطفلة وإمكانياتها في استيعاب الأمر وفهم دلالته، لذا فالجرعة يجب أن تكون متناسبة لا تزيد ولا تنقص حتى لا تضر بالفتاة.
ويلفت د.عبدالمنعم الانتباه إلى أن تقليد الفتاة لوالدتها يتم تلقائيًا بالاحتكاك المباشر معها وهذا مسموح به طالما بشكل متوازن.
قيٍم الموضوع: